البلدة

الظاهريّة هي البلدة المأهولة الأبعد جنوبًا في الضفّة الغربيّة والمحاذية لصحراء النقب. مع تزايد جفاف واصفرار التلال وتضاؤل الغطاء النباتي، تظهر البلدة على آخر تلال الضفّة الغربيّة مطلّة على الصحراء.

 

البلدة موقع أثريّ، إذ طالما كانت البوابة الجنوبيّة للمرتفعات الوسطى في فلسطين، ولعبت دوراً دفاعيًّاً في صدّ غارات البدو والحملات الأجنبيّة. لا يزال جزء من القلعة الرومانيّة قائماً إلى يومنا هذا، كما و يمكن إيجاد آثار مبانٍ هلّينيّة ورومانيّة وصليبيّة، في الظاهريّة وحولها. إنّ إعادة استخدام الأحجار الأثرية في بناء المباني التاريخية في الفترة العثمانية دليل على كون هذه التلال مأهولة منذ أقدم العصور.

 

تشتهر الظاهريّة كونها مركزاً تجارياً يربط الخليل وصحراء النقب مما جعل من البلدة سوقاً تجارياً مركزيّاً للتجمّعات الأصغر المحيطة وللبدو القاطنين في الصحراء. تاريخيّاً، استضافت البلدة السوق الأسبوعيّ للماشية.  وقد عرفت ساحة السوق القديمة، بـ" السوق القديم" حيث المباني لا تزال قائمة، على جانبي شارع بطول 200 متر. وحتّى نهاية سبعينيّات القرن العشرين، أقيمت في السوق القديم دكاكين تروّج للبضائع والسلع محلّيّة الصنع بالإضافة إلى لمنتجات المواشي، هذا إلى جانب فرن محلّيّ يوفر الخبز للسكّان والمتسوقين.

 

من ناحية أخرى، يقع السوق التجاريّ الجديد على شارع رئيسي طوليّ يقسم البلدة القديمة إلى جزئين (الشرقيّ والغربيّ). يقع السوق القديم على الجانب الغربي من هذا الشارع، وهي المنطقة التي تركز فيها عمل رواق. في الوقت الحالي، تحول الشارع الرئيس الى سوق يوميّ مزدحم وحيويّ.

 

نتيجة التقييدات على الحركة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، والتي جعلت من الصعب على البدو وسكّان النقب الوصول إلى مدينة الخليل، تشكّل الظاهريّة للمنطقة سوقاً بديلاً أساسيّاً ومركزاً للخدمات. إضافة إلى ذلك، أدّى وجود نقطة التفتيش الجنوبيّة والمستخدمة لعبور العمّال الفلسطينيين إلى حركة مرور عارمة في البلدة.


 

المركز التاريخي

إنّ جمال ومساحة البلدة القديمة في الظاهريّة هما بالتأكيد مفاجأة سارّة للقادمين الجدد والزوار.  بالإضافة الى كونها تحافظ على نسيج معماري مكتمل  الى حد ما ، فان المباني وأحواش العائلات الممتدّة كبيرة عدداً ومساحة. الصخور الكبيرة المقصوصة والمعاد استخدامها موجودة في كلّ مكان تقريباً، وما زال يوجد تحت الأرض والبيوت والشوارع شبكة من المغارات والكهوف.

 

كان الاستيطان البشريّ في الظاهريّة بالأصل في الكهوف والمغارات تحت البلدة القديمة الحاليّة. وبالرغم من وجود عدّة بقايا أثريّة تعود إلى العصور الرومانيّة، إلّا أنّ معظم المباني في البلدة القديمة لها صفات وميّزات العمارة العثمانيّة في فلسطين. يدلّ هذا على أنّه خلال فترة محدّدة من التاريخ (على الأرجح خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر)، غيّرت العائلات مكان إقامتها وتركت الكهوف وشيّدت البيوت فوقها، استخدم الناس لهذا الغرض الحجر المحلّيّ ومواد استحضرت من المواقع التاريخية والآثار المجاورة. ما زال بالإمكان رؤية الحجارة كبيرة الحجم في بيوت الفلّاحين وعليها زخرفات رومانيّة وصليبيّة.

 

وفقًا لسجل رواق للمباني التاريخيّة في فلسطين (2006)، يوجد في الظاهريّة 850 مبنى تاريخيّاً قائماً. يعود وجود هذا العدد الكبير من المباني التاريخية الى اتساع أراضي الظاهرية مما جعل التوسّع لأغراض الزراعة ورعي الأراضي يتجه بعيداً عن جذر البلدة القديمة.

 

هُجرت البلدة القديمة في النصف الثاني من القرن العشرين بسبب النمو السكّانيّ السريع وما تلاه من بناء للبيوت الحديثة بتقنيّات بناء جديدة. لم تُهدم المنطقة لإعادة استخدام الأرض لإنشاء مبانٍ عامّة بسبب تعدد الملكيّة، بل تُركت لعوامل الزمن تعيث فيها خراباً. أصبحت البلدة القديمة موطناً لعدد قليل من العائلات ذات الدخل المحدود، وتستخدم عموماً ممراً إلى مختلف أجزاء البلدة عبر الأزّقة المتعدّدة (بما فيها السوق القديم) بسبب ربطها شارع السوق الجديد شرقاً بالأحياء السكنيّة جهة الغرب.

 

يبدأ السوق القديم عند ساحة الحرجة، ويتّجه جنوباً نحو الحيّ السكنيّ المأهول، ويمتدّ إلى المسجد العمري القديم الواقع إلى الطرف الجنوبيّ للبلدة القديمة. يمرّ السوق القديم بالمعالم المحلّيّة مثل مبنى القيصاريّة (هو على الأرجح خان قديم) وحوش الصبّار.

إعادة الإحياء

على امتداد ما يقارب عشرة أعوام، عمل رواق على إعادة احياء البلدة القديمة في الظاهريّة، وبهذا يكون عمل رواق هناك، ضمن مشروع إعادة احياء خمسين قرية، هو الأطول زمنيّاً. لقد سمحت فترة العمل الطويلة هذه للمجتمع المحلّيّ ولنا أن نأخذ وقفات قصيرة لتقييم تقدّم المشروع وأثر المراحل الانتقاليّة المختلفة. وقد شكلت الاستخدامات والوظائف القوّة الدافعة في تحديد الخطط اللاحقة والاستراتيجيّات.

 

عام 2004، قام عدد من  موظّفي بلدية الظاهرية بالمبادرة والتواصل مع رواق  من أجل مشروع إعادة تأهيل في البلدة. تبيّن أنّ هذا المشروع كان الأوّل في سلسلة مشاريع عديدة تبعته، وكان النواة الأولى لجزيرة من المباني المرمّمة، والتي توسعت مساحةً ونطاقاً .

 

كانت عمليّة إعادة إحياء البلدة القديمة في الظاهريّة عمليّة تدرّجيّة. وقد تمت الاستفادة من كون البلدة القديمة المهجورة تستخدم من قبل الأهالي كطريق  مختصرة لربط الأجزاء المختلفة للبلدة، مما أفاد العديد من المؤسّسات التي انتقلت لاحقًا لاستخدام المباني المرمّمة على هذه الطرق المختصرة وما يحيطها من ساحات وأزقّة. مع مرور الوقت، تزايد تدفّق الناس إلى البلدة القديمة، وظهرت المزيد من المراكز الخدميّة، مما أضاف الى البلدة القديمة حياة جديدة. مع حلول سنة 2011، أُنجزت معظم أعمال الترميم وبات جزء أساسي من البلدة القديمة مرمّمًا ومستخدما. وعلى الرغم من ذلك فقد بقي المركز التجاريّ الجديد البؤرة المركزيّة للبلدة ولم تتطوّر الروابط اللازمة مع لوصله مع البلدة القديمة، تلك الروابط التي تتطلع اليها رواق.

 

شكّلت سنة 2011 السنة الأولى من نهج العمل المتكامل نحو إعادة احياء البلدة القديمة. وقد تمثّل هدف رواق في استعادة البلدة القديمة طاقتها التجاريّة، وهو الوضع الذي خسرته على مرّ السنين مع ازدهار المركز التجاريّ الجديد. كان التركيز الأساسيّ، بالإضافة إلى تحسين البيئة المعيشية للبيوت والعائلات، هو إعادة تأهيل السوق القديم وتوفير مرفق للمنام لأولئك المهتمّين بزيارة البلدة ومحيطها الخلّاب.

 

نشطت بلديّة الظاهريّة كثيرا في عمليّة إعادة الاحياء، وتمّ تأسيس " لجنة حماية البلدة القديمة" بغرض تسهيل العمل مع ملاك البيوت والسكّان والمستثمرين الجدد، بالإضافة الى البدء بجمع التبرّعات لاستكمال العمل من قبل البلدية بعد انتهاء مشاريع رواق في البلدة.

خرائط ورسومات