حكايتنا
منذ سنة 1991، قبل رواق تحدّي صعوبات حفظ الذاكرة الجمعيّة الفلسطينيّة، من خلال مشاريع توثّق وتحيي المواقع المعماريّة التراثيّة على امتداد الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. بمهارات الطلّاب والمعماريّين وعلماء الآثار والمؤرّخين وحشد طاقاتهم، باشر رواق العمل على "سجل المباني التاريخيّة"، مكلّلاً العمل الذي استمرّ ثلاثة عشر عاماً (1994 – 2007)، بإصدار ثلاثيّ المجلّدات يحوي تاريخاً مفصّلاً وخرائطً وصوراً لما يقرب من 420 قرية في ستّ عشرة محافظة في الضفّة الغربيّة والقدس وقطاع غزّة.
لم تكن مشاريع رواق الأخرى بالضخامة ذاتها، إلّا أنّها تتماثل مع "سجل رواق للمباني التاريخيّة" بالمفاخرة بكونها جميعها ذات رؤيا قويّة وذات تأثير طويل الأمد. فمثلا، استطاع برنامج ’خلق فرص عمل من خلال الترميم ، منذ 2001 تحويل الموروث الثقافيّ إلى أداة اقتصاديّة مهمّة، ونقل مفهوم الحفظ المعماريّ من نشاط رفاهي، إلى نشاط يقدّم للسكّان فرصاً لبناء المهارات، وأفقاً لتنمية اقتصاديّة مجتمعيّة للأحياء والقرى والبلديّات.
مستفيدا من البيانات التي وفّرها مشروع ’سجلّ رواق للمباني التاريخيّة‘، أطلق رواق مشروع حماية 50 بلدة قديمة، من خلاله يتم حماية ما يقارب 50% من المباني التاريخيّة في فلسطين. وبالتالي، عدّل رواق أولويّاته وموارده، وانتقل من حفظ وحماية المباني المنفردة فقط إلى توجّه أكثر شموليّة قادر على إشراك وإدماج المجتمع بكاملة.
إنارة (لامبة)
عشرون عاماً فصلت بين المكالمتين الهاتفيّتين: مكالمة سنة 2013 التي تبلّغ فيها رواق أنّه حاز على جائزة أغا خان المرموقة، ومكالمة سنة 1991 حين عبّر أوّل مموّل عن رغبته بزيارة رواق. في ذاك اليوم، هرعت خارجة من مكتبنا المتواضع وذهبت مسرعة إلى البيت لأحضر طاولة المطبخ المستديرة وكراسيها الثلاثة ولامبة تصلح لإنارة أوّل اجتماع رسميّ في حياة رواق. أضاءت تلك اللامبة التي لا تنسى، ليس فقط غرفة اجتماعات رواق المعتمة في ذاك المساء التشرينيّ، وإنّما أضاءت أيضاً الخطوة الأولى في مسار طويل ومتعرّج من الاستكشاف والتوثيق وحماية الموروث الثقافيّ عبر فلسطين: المهمّة الصعبة التي قادها رواق منذ تأسيسه.
بعد عشرين عاماً تقريباً، اجتمع فريق رواق ومجلس إدارته وأصدقاؤه للاحتفال بنيل جائزة آغا خان للعمارة، الجائزة التي نالها تقديراً لعمله المثابر وتشبّثه والتزامه الثابت تجاه حفظ الثقافة والتاريخ على امتداد الوطن. منذ 1991، أصبحنا فريقاً حيويّاً من أناس موهوبين، ولنا جمهور متنامٍ من الشركاء والمموّلين والمتبرّعين. على مدى العقدين الماضيين، حوّل رواق فكرة الموروث الثقافيّ من عبء اقتصاديّ واجتماعيّ وبيئيّ إلى أداة قيّمة للتغيير الاقتصاديّ والاجتماعيّ. من خلال فرص بناء المهارات وخلق فرص العمل، نواصل رسالتنا لحفظ الموروث الثقافيّ الفلسطينيّ، بينما نعيد الحياة للبلدات القديمة، ونوفّر البنية التحتيّة للتنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة على امتداد الوطن.
عشرون عاماً فصلت بين مرحلة التوثيق الأولى في رواق – التي حشدت المئات من طلّاب هندسة العمارة والمعماريّين– وبين مشروع إعادة تأهيل الخمسين بلدة قديمة، الذي يواصل حشد المجتمع كاملة. منذ 1991، طوّرنا ووسّعنا أرشيفاتنا الفوتوغرافيّة وأرشيف الخرائط، واستكملنا مشروع سجلّ وطنيّ، وهو الأوّل من نوعه في فلسطين. لقد وفّرنا فرص توظيف وعمل مستدامة من خلال مشاريع حفظ المباني المنفردة، وعالجنا غياب إطار قانونيّ رسميّ بوضع خطط الحماية واللوائح التنظيميّة التي حمت مشاريعنا ومجتمعنا. قمنا بكلّ ذلك أثناء تنفيذ إعادة التأهيل المعماريّ وإعادة الإحياء الثقافيّ للأحياء والبلدات القديمة على امتداد الوطن. إضافة إلى ذلك، نفخر بالمنشورات العديدة التي أصدرها رواق، والبينالي، والسرحات في ربوع فلسطين.
من دون شكّ، فإنّ فريق رواق المتفاني، ومجلس إدارته، وأصدقاءه، وشركاءه، ومموّليه هم جميعاً جزء أصيل من تاريخنا، فهم يشكّلون الدعائم التي تستند إليها منجزات رواق. العمل مع ومن أجل المجتمع الأوسع أعطى جوهراً لرسالة المؤسّسة، وساعدنا على صوغ شراكات دائمة مع مجموعة واسعة من المؤسّسات والأفراد على السواء. إنّها، هذه العلاقات، إلى جانب الكثير من قرحات المعدة وفناجين القهوة لخاطر "الاندماج بالمجتمع"، بمثابة الخيط الناظم لمختلف مراحل نموّ رواق وتطوّره. لكّل هذا، نقرّ دائماً بالجميل.
سعاد العامري
مؤسِّسَة رواق