قرى الكراسي في فلسطين
خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كانت الجبال الوسطى في فلسطين (التي هي اليوم الضفّة الغربيّة) مقسّمة إلى أربع وعشرين ناحية إداريّة (مشيخة). كان يحكم هذه المشايخ شيوخ ينتمون إلى العائلات الغنيّة أو "النبيلة"، و"قرى الكراسي" هي القرى التي كان هؤلاء الشيوخ وعائلاتهم يقيمون فيها. تختلف أحجام المشايخ من واحدة إلى أخرى، فبعضها كان يضمّ أكثر من أربعين قرية مثل مشيخة جمّاعين في منطقة نابلس، في حين أنّ مشيخة مثل مشيخة بني حارث قرب رام الله، فقد حكمت إحدى عشرة قرية.
كان الشيخ يتمتّع بمكانة سياسيّة واجتماعيّة، وهو الذي يجمع الضرائب نيابة عن الحكومة العثمانيّة المركزيّة. وبالنتيجة، حاز الشيوخ على قوّة وثروة كبيرتين، الأمر الذي انعكس على طريقة معيشتهم وعلى عمارة قصورهم وقراهم. كما كانوا يتفاخرون بقرب علاقاتهم بوجهاء المدن، وغالباً ما وضعوا أنفسهم حلفاء لهم. بالتالي، وعلى الرغم من أنّ قصورهم مشيّدة في المناطق الريفيّة، فإنّ أسلوب عمارتها فريد، وفخامتها تعكس أسلوباً مدنيّاً، تحديداً من حيث الحجم والترتيب الحيّزيّ، والزخرفات.
تأتي جهود ترميم قرى الكراسي عبر فلسطين ضمن مشروع الخمسين قرية الذي ركّز رواق على تنفيذه منذ سنة 2007. لا تزال غالبية قصور الكراسي قائمة إلى اليوم، وقد رمّم رواق العديد منها. فهذه المواقع ليست فقط مواقعَ للتاريخ والموروث الفلسطينيّ، وإنّما هي أيضاً فراغات جميلة يمكن إعادة توظيفها لتلبية الاحتياجات المعاصرة. يوجد في معظم هذه المباني ساحات كبيرة ومساحات داخليّة واسعة يمكنها بسهولة أن تستضيف ورش العمل والمؤتمرات والفعاليّات الموسيقيّة وغيرها من النشاطات الثقافيّة والمجتمعيّة.