مشكلات عامة

الآن وقد أصبح السجل بين أيدينا شبه منتهٍ، يمكننا أن نقيّم التجربة السابقة ونحدد مصادر الخلل والتفاوت في دقة المعلومات ونسبة الخطأ، وعليه فإننا نقترح أن تؤخذ النقاط التالية بعين الاعتبار في أية عملية تسجيل للمباني، أو سجل للممتلكات الثقافية الأخرى (مواقع أثرية، وطبيعية، ومبان تاريخية، وتراث منقول):

1-     تحضير استمارة واضحة الهدف ومدروسة بعناية مع تفسير واضح لبنودها، ويكون ذلك بملحق خاص (مفتاح تعبئة الاستمارة)، والاتفاق على مصطلحات محددة في عملية تجهيز الاستمارة، وذلك لتفادي التكرار للمعنى الواحد، واختلاف التعبير من شخص لآخر ومن بند لآخر. لأن اختلاف البنود في الاستمارات المختلفة، وعدم تحديد مصطلحات موحدة بتفسيرات واضحة ودقيقة لكل بند يتوافق والبنود المتشابهة في الاستمارات المختلفة، وقلة التنسيق بين الجهات التي قامت بعمل المسوحات حول توحيد المصطلحات وتعريفها بشكل مشترك، أدى إلى خلق تعدد التفسيرات للبنود المتشابهة في الاستمارة، مما أوجد صعوبات في استخراج التقارير من البرنامج لعدم توحيد المصطلحات.

2-     الاتفاق على نظام ترقيم واضح يأخذ بعين الاعتبار الأرقام الرسمية للتجمعات والمحافظات والمباني ... الخ، وذلك لتفادي الإشكاليات التي وقعنا بهامن جراء اختلاف الترقيم للمباني في الاستمارات المختلفة من جهة، ولأهمية الرقم في ربط المعلومات مع الصور والخرائط في المراحل المتقدمة للمشروع من جهة أخرى.

3-     مناقشة الاستمارة والمعلومات مع مبرمج متخصص في قواعد المعلومات المختلفة، بحيث يحضر المناقشات النهائية المتعلقة بشكل ومحتوى الاستمارة. وهذا مهم حتى يكون مدركاً لأهداف الدراسة، ويعمل على تصميم برنامج يكون قادراً على استيعاب المعلومات وإخراج التقارير. ولا بد أن يكون هناك شخص (المشرف العام) يتابع المبرمج، ويناقش الإشكاليات مع المبرمج بشكل دائم خلال فترة العمل، ولتكون أهداف المشروع واضحة للمبرمج فيأخذها بعين الاعتبار عند تصميم قاعدة البيانات، وكذلك لتفادي مشكلات تقنية وقعنا بها خلال تطوير قاعدة البيانات التي بحوزتنا، ما كلفنا وقتاً وجهداً كبيرين كان يمكن تفادي خسارتهما، لو أخذت بعض القضايا بعين الاعتبار وقت تصميم البرنامج منذ البداية.

4-     تدريب فريق عمل ميداني على تعبئة الاستمارات بشكل صحيح ودقيق، بحيث يكونون قادرين على التعامل مع المباني وحل الإشكاليات التي قد تظهر في الميدان، بعد تفسير دقيق لبنود الاستمارة لهم. ويفضل أن يكونوا من المعماريين، ودارسي التاريخ والآثار.  وخلال عملية التدريب، يجب أن تتم تعبئة بعض الاستمارات مع المشرفين، وكذلك إرسال الفريق للميدان وحده، ومن ثم مراجعة الاستمارات من جديد للتعرف على مدى استيعاب الفريق للمعلومات ودقتها قبل البدء بالعمل. ومن خلال تجربتنا وعلى الرغم من الدورات التدريبية التي كانت –عادة- تسبق العمل الميداني، فإن العدد الكبير للباحثين الميدانيين والمشرفين، والخلفيات الثقافية المتعددة التي قدموا منها، خلقت تبايناً في استخدام وتعريف المصطلحات المختلفة خلال تعبئة الاستمارات، وكيفية تعاملهم مع المباني القديمة، وهذا إما نتيجة لعدم فهم دقيق للاستمارة وبنودها، وإما لعدم المقدرة على تشخيص وحل المشاكل الطارئة التي تظهر في الميدان، مثل التعامل مع المبنى الواحد، أو مجموعة المباني (تفرعات المبنى) وغيرها من الأمور، ما أدى إلى إيجاد مشاكل في تفسير الاستمارات بعد إدخالها إلى الحاسوب.

5-     تجهيز خطة مراجعة أولية للمعلومات للتعرف على المشاكل التي قد تظهر ومعالجتها بسرعة، ومراقبة فريق العمل الميداني بشكل دائم، ومناقشة المشاكل معه. ومن المهم هنا تطوير عملية السيطرة على المعلومات الميدانية بشكل سريع قبل تراكمها، وهذه المشكلة قد تظهر في حال وجود فريق عمل ميداني كبير بإشراف قليل، ولتفادي نسيان الباحثين الميدانيين للمعلومات إذا مر وقت قبل المراجعة.

6-     قبل البدء بالعمل، يجب تحضير الخرائط للمواقع بأنواعها كافة، ويفضل استعمال الخرائط المبنية من صور جوية حديثة لدقتها، وتقسيمها إلى أحواض معتمدة لتسهيل العمل والترقيم، ويجب أن تكون هذه الخرائط محوسبة، لإدخال التعديلات المطلوبة عليها، لأن المشكلة التي واجهتنا في عدم توفر خرائط دقيقة للعمل الميداني وعدم ربطها بإحداثيات واضحة، صعب علينا عملية تحديد المباني القديمة ميدانياً، وكذلك التعامل مع الخريطة على الحاسوب. هذا الأمر أدى إلى خلق مشكلة نعاني منها حالياً في التحضير لعمل مخططات حماية التي هي بأمس الحاجة إلى خرائط دقيقة.

 

كما واجهتنا بعض القضايا المهمة الأخرى، التي لعبت دوراً في دقة المعلومات أو عدمها، أهمها:

1-    عدم توفر مصادر مكتوبة يمكن الرجوع إليها للتعرف على المباني، وبخاصة في القرى، ما أضعف عملية التأكد من صحة المعلومات، وبخاصة تاريخ الإنشاء والملكيات. وهذا قاد إلى جمع المعلومات بناء على الروايات الشفوية، والتقديرات الذاتية للباحثين، وبخاصة ما يتعلق بسنة البناء، والمراحل المختلفة، وحالة المبنى. وأهم المشاكل التي تنتج عن أن المعلومات مستقاة من مصادر شفوية، هي تحديد الملكيات للمباني، التي لا يمكن التأكد منها إلا بالرجوع إلى سجلات البلديات والمجالس المحلية والقروية والمحكمة الشرعية، إن وجدت.

2-    يجب أن لا ننسى الظروف السياسية الصعبة التي واكبت معظم فترات المسح الميداني، وبخاصة الفترة التي قمنا بها بترتيب المادة وتدقيقها تحضيراً لنشرها، وهي الفترة من العام 2001 وحتى اليوم، تلك الظروف التي حدت من إمكانية الحركة والتنقل بين التجمعات للباحثين والمشرفين، ما أثر على عملية استكمال تصوير أو توثيق أو حتى مراجعة المعلومات ميدانياً، وبالتالي أثرت على دقة المعلومات وشموليتها.

يبقى أن نقول إنه على الرغم من الإنجازات التي حققها المشروع حتى الآن، بقي الكثير من الأمور التي بحاجة للعمل على إنجازها في المستقبل، مثل تصوير التجمعات التي لم تصور المباني فيها، وإعادة ترقيم الاستمارات والصور في قواعد المعلومات المختلفة وتوحيدها مع نظام الترقيم المعتمد حالياً، وكذلك استكمال العمل على توحيد المصطلحات في البرنامج، وتنقيح المادة بشكل أكبر، لتكون أكثر سلاسة في المستقبل عند العمل على تحديثها. وطبعاً استكمال مسح التجمعات التي لم تسعفنا الظروف الحالية بمسحها.

وبناءً على ما تقدم، ولتفادي الأخطاء التي وقعنا بها والمشكلات التي واجهناها، نجد من المهم أخذ الملاحظات السابقة بعين الاعتبار في حالة توفر إمكانية للعمل على تجديد وتدقيق المعلومات الموجودة مستقبلاً (updating)، وتصميم استمارة لهذه العملية تكون بنودها محددة وواضحة بناء على الاستمارة الأخيرة، والغرض المطلوب من العملية ككل، بحيث تخدم أكثر من موضوع ومشروع في وقت واحد، وكذلك العمل على تطوير برنامج قاعدة المعلومات ليخدم الغرض نفسه، ويكون مواكباً للتطورات المستحدثة في هذا المجال، والحصول على خرائط أدق للعمل عليها.

في النهاية نستطيع القول أن العمل على المشروع قد أكسبنا خبرة من خلالها تمكنا من تقييم المشروع دون تحيز ولذلك يمكننا القول بأن المشروع لا يخلو من الأخطاء التي هي مبررة في كل تجربة جديدة، ولكن هناك الإيجابيات التي لا يمكن حصرها إذا عرفنا كيف نتعامل مع النتائج التي يوفرها لنا هذا السجل.